الجمعة، ديسمبر ٠٨، ٢٠٠٦

فى وجه الشاشة ..............."قصة قصيرة عن حدث حقيقى"




السينما مكتظة كالعادة فاليوم هو العرض الأول لفيلم نجم الكوميديا الصاعد، أصرت على الحضور بالرغم من أننا لا نملك سيارة وسنضطر أن نقطع الطريق إلى السينما بالمترو ثم سيرا على الأقدام وسط زحام وسط القاهرة الخانق.
بدأ العرض.. وجدتها ممتعضة.. سألتها لم?. أجابت إنها لا ترتاح لجلوسها على هذا المقعد المبتعد عن الشاشة!! كيف ذلك؟! وقد دفعت إلى فتاة الشباك زوجين من الجنيهات خصيصا لتحجز لي تلك المقاعد الإستراتيجية الموقع.
أخذت أحاول إقناعها وأوضح لها أن السينما تختلف عن المسرح الذي اعتادت الذهاب إليه، فكلما ابتعدنا عن الشاشة كانت المشاهدة أيسر للعين. لم تعبأ بكلامي... تسللت دون أشعر إلى المقاعد الأمامية، أخذت أبحث عنها حتى وجدتها في الصف الأول في الكرسي الأوسط تحمل طفلا صغيرا على رجلها الواهنة وتملأ المكان ضحكا هي وهو.
انتهى الفيلم... خرجنا إلى برد الشارع الدخيل وإذ بها تهاجم الفيلم كمحارب يساري ثائر:
- فيلم دمه ثقيل... نكد... مافيهوش ضحك... خسارة فلوس التذاكر.
تعجبت:
- ألم تكوني غارقة في الضحك انت والعيل اللي كنت شايلاه؟.
ردت في غضب:
- ما حصلش والله!! هو ده ضحك؟! على العموم فيلم هنيدي هيكون أحلى إن شاء الله.
قبضت على معصمها الصغير حتى لا تتوه مني في الزحام. كانت تسابق خطواتها السلحفائية بعضها البعض حتى تلحق بي رغم أني كنت أسير بطء من أجلها. وصلنا أخيرا إلى محطة مترو السادات. جلسنا أنا وهي في انتظار القطار. شعرت بقرصة ضعيفة في فخذي الأيمن، التفت لأجدها تشير إلى فتاة واقفة أمامنا تحتضن كشاكيلها بشكل مراهق مألوف.
سألتها:
- مالها يا حاجة؟
ردت في براءة:
- شايف البنت دي حلوة قد إيه؟ يا سلام لو تكون من نصيبك واحدة حلوة زيها!.
ملأت ضحكتي المكان:
- تيجي أقوم أكلمها وأقولها؟ انت عارفاني مجنون واعملها!.
أجابت وهي تمص شفتيها:
- الحق عليّ اللي عايزة أفرح بيك بس باين عليك فقري زي خيلانك.
لا أعلم لم تذكرت ذلك وأنا أحمل جسدها الممتلئ البارد أناوأخي في هذا المكان المظلم الأشبه بالكهف... لم أتخيل يوما أنني سأقوم بهذا فقد جئت على عجل من أقصى الصعيد بمكالمة أخي المشئومة القدرية... طلب منى خالي الأكبر أن آتي معهم فأنا شرعا محرم لها. تشبعت ملابسي برائحة "الافندر" والتي كانت آخر ما لامس جسدها بعد الماء.
وضعناها في أحد الغرف الضيقة الفارغة لترقد بها وحيدة. قرأت الفاتحة والتشهد وبدأ أخي وخالي في حل الأربطة التي كانت أشبه بالأغلال الحديدة في انعقادها بالرغم من أنها من القماش. خرجنا من المقابر الواقعة في أطراف القاهرة الكبرى. الشيخ يدعو ويقرأ منتظرا الحسنة المعهودة من المعزين. تركنا المكان ما عدا أمي التي لم ينجح أبي في أن يجعلها تغادر المكان خصوصا وهي تبكي بهذه الحرقة فبقي معها هناك لبعض الوقت.
وصلت إلى المنزل أنا وأخي لأرى حولي كل متعلقات الفقيدة.. تلفزيونها الأبيض والأسود العتيق... مكنة خياطتها "السنجر" العزيزة. توقعت أنها ستخرج الآن من إحدى الغرف لترحب بي كعادتها لكنني كنت واقعيا للدرجة التي أعلم فيها أني لن أراها بعد الآن.
سرت في أركان غرفتها تائها، لم أحتمل أن أرى خالي الأكبر يفتش في دولابها الخاص عن متعلقاتها وقد كان دولابها هذا في مثل خصوصية خزانة البنك المركزي. لم أستطع أن أتحمل.. تركت المنزل... هرعت إلى محطة المترو المجاورة للمنزل.أخذت أتخبط سيرا في زحام وسط القاهرة... لم أعرف ماذا أفعل... لم أشعر إلا وأنا أمام نفس السينما التي كنا نرتادها سويا... ذهبت إلى فتاة الشباك. أخرجت عشرة جنيهات وجنيها كالعادة أشارت لي الفتاة بأن تظلل لي الكرسي الخلفي كعرف دارج، فوجدتني أشير بسبابتي إلى الصف الأول.. الكرسي الأوسط.. الواقع في وجه الشاشة

أفتقدتك جدتى

توفيت يوم الخميس 16-11-2006

نسألكم الفاتحة..

25 Comments:

At ٢:٢٢ ص, Blogger IBN BAHYA - إبــن بهيـــــــــــــة said...

أخي الحبيب الغريب .. البقاء لله .. رحمها الله ورحم كل أمواتنا آمين .. قرأت الفاتحة وتمنيت لها ارحمة أخي الكريم .. رحمها الله رحمة واسعه وتغمدها فسيح جناته وأرجو ان يهديء الله نفسك وتعتاد على حياتك الجديدة .. كلنا نفقد كل يوم أحباب .. يتساقطون منا واحدا تلو الآخر .. وغدا يقال فينا نفس هذا الكلام .. متى ؟ الله وحده يعلم

 
At ١:٢٠ م, Blogger dandana said...

البقاء لله....
ليتولاها الله برحمته ..امين

 
At ٨:٣٢ م, Blogger nor said...

ده مش تعليقي على القصة لسه هرد بعدين
لكن ملاحظتي ان الراجل صحيح جدته توفت بس هو مش كاتب القصة عشان تعزوه
هو كانبها عشان تكتبوا رأيكم فيها..
انا شايف انها جميله جدا وكامل ردي هاكتبه قريبا انشاء الله

عل فكرة يا غرييب
البقاء لله
lol

 
At ٢:٣٢ م, Blogger elgharep said...

سبحان من له الدوام وسعيكم مشكور
الغريب

 
At ٦:٢٢ م, Blogger gamal said...

الغريب
لك تحياتى وتقديرى
لأول مرة أتصفح مدونتك
شىء جميل ورائع واحاسيسك فياضه
الى الأمام دائما
تمنياتى

 
At ١١:٣٢ ص, Blogger مـحـمـد مـفـيـد said...

اولا البقاء الله واللهم اجعلها من الصالحين وادخلها مدخل صدق عند مليك مقتدر اللهم امين

اعتقد انك تتناول افكار رائعه تستوجب مننا الاشاده

 
At ١١:٥٩ ص, Blogger smraa alnil said...

مش عارفة ادعي عليكم ولا اعمل فيكم ايه بس
هو انا لاقيها منك ولا من مزمز
خلتوني اعيط الله يجازيكم كل خير
الباقء لله يا غريب
من خلال كتبتك عنها انا شايف انها زي اي جدة طيبة وحنونة
فكرتني بجدي
الله يرحمك يا جدي
نقرا الفاتحة بقي لجدتك وجدي واموات المسلمين جميعا

 
At ٢:٠٤ م, Anonymous غير معرف said...

القصة الجيدة فى رأيى هى التى تدفعنى لقرائتها ثانية....و قد فعلت ذلك توا
بعد ان استطعت ان تخدعنى و انا متخيل ان رفيقة البطل فى القصة هى حبيبته و لم أكن لأتخيل انها ستكون حبيبته عن طريق عاطفة الجدة و حفيدها
تحياتى ليك يا غريب قصة ممتازة
و انا اعتبرتها قصة و مكنش فيه داعى لذكر ان احداثها حقيقية عشان مقولكش البقاء لله و عم نور يزعل منى

 
At ٢:٥٣ م, Blogger elgharep said...

أشكرك جمال على زيارة مدونتى وأشكر كلا من سمراء النيل وعاشور ومفيد وسبحان من له الدوام
معلش ياسمراء خلتك تبكى لكن ده مكنش قصدى والله وأما أنت ياعاشور ِأشكرك على الثناء وسبب التنويه أنى فضلت أن يتم تناول العما من منطلق أنسانى أدبى أكثر من أن يكون شخصى
الغريب

 
At ٣:٥٨ م, Blogger بين الأمل و اليأس said...

يمكن دي اول زياره لمدونتك وبصراحه اخر حاجه توقعتها في هذا البوست وهي وفاة جدتك الله يرحمها ويرحم امة نبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام وان يسكنها فسيح جناته يارب العالمين
بس بالنسبهكون انك تكتب باسلوب ان بطل الحكايه يكون مجهول وفي اخرها تعرف القارئ بالشخصية محور القصه فو اسلوب راقي لكاتب مبدع واحساس البوست كاستعاده ذكريات فهو احساس صعب ان الانسان يتحملهاحساس ثقيل لكن وان دل فانه يدل على المحبه المخفيه خلف مشاغل الحياه وان الانسان يشعر بمن فقده عندما يبدأ ملاحظة عدم وجود ماتعود عليه ولكن للمره الثانيه داخلك حب عميق وافتقاد شديد لها وارجو ان تستثمر هذه المحبه في كثرة الدعاء لها وتذكير نفسك بان هذا الييوم سوف يدور ويدور ويأتي دورنا نحن فاستعد له بكل خير وطاعة لله تعالى
اعانك الله على ذكرياتك معاها وحفظك وادخلها فسيح جناته
طولت عليك لكن انا شكلي مش هاعرف اقول كل حاجه حسيتها من خلال بوستك اللي فوق الرائع وعلى فكره فيه ناس كتير بداري محبتها وبنفتكر انهم معندهم احساس لكن انا بتاكد ان حبهم اقوى حب في الوجود وخوفهم على الاخرين اقوى من خوف من هو مرهف الاحساس ومن اطلق عليه رومنسيوسؤال اخير ليه اتاخرت في العبير عن فقدانك ليه ومر بوست مذكرتش ده فيهومعلش هو سؤال رخم وبلاش لاكتر من الكتابه والغبط
وربنا يسترها وربنا يرحمنا جميعاوالفتحه لجميع اموات المسلمين
وربنا يسترها

 
At ١٠:٣٧ م, Blogger Rivendell** said...

الله يرحمها
انا عادة ما بعيطش .. لكن انت خلتني اعيط .. الله يرحمها

كنت بتروح معاها السينما ...:).. افتكر جمالها وانسى الحزن عليها احسن ...

 
At ١٢:٣٩ ص, Blogger elgharep said...

شكرا لك بين الأمل واليأس وشكرا لغواصة بحر الأمل
بالنسبة لسؤالك بين الامل واليأس أنا أتأخرت لأنى كتبت القصة بالفعل متأخر يمكن على بال ما "أستوعبت الحدث يمكن أشكرك على الأطراء الجميل مرة أخرى
وأشكرك ياغواصة الأمل على تلك المشاعر النبيلة
الغريب

 
At ٩:١٣ ص, Blogger elkamhawi said...

الموت حقيقة مطلقة وانا لسه طايق مرارة الفراق الاسبوع اللى فات وربنا يصبرك وعلى فكرة احساسيك جميلة

 
At ٣:٤٤ م, Anonymous غير معرف said...

البقاء لله ... الله يرحمها ... انت بالضبط بتوصف جدتى بالضبط كل اللي انت مريت بيه انا مريت بيه بنفس التفاصيل ... انا بكتب وعينيا مليانة بالدموع بالرغم من ان رحيلها كان من 8 سنوات الا ان كل كلامك حتى ريحة اللافندر ... كله انا مريت بيه ... اقرا لها الفاتحة دوما
محمود

 
At ١١:١٢ م, Anonymous غير معرف said...

القصة ...رائعة...فى البدأ لم أكن أتخيل أنك تتحدث عن جدتك ......التصوير فيها جميل ....ولكن بعيدا عن تلك كلمات القصة ...لقد جعلت تلك المرأة عظيمة لأنك ذكرت موقف دفئ لها معك

...........................


أطمئن ..فأنا أقرأ لها الفاتحة الأن

 
At ١١:٥٧ م, Blogger Amany Y. El-Saeed said...


جميلة بجد...تصويرك للأحداث هادئ و دافئ...رحمها الله

 
At ٨:٥٨ ص, Blogger ALiaa said...

البقاء لله....كان نفسي أجرب جمال علاقة الحفيد بالجد..... للأسف جدودي ماتوا بدري و مالحقتش أحس بقيمتهم..... القصة اخراجها أكتر من رائع بصراحة.... ماتنساش كل سنة تجتمع مع العائلة و تقروا قران علي روحها

 
At ٧:١٥ م, Blogger أحمد سلامــة said...

يا سلام يا سلام يا ولد ياغريب علي روعة الاسلوي والالفات الرائع..فكرتنى بجدتى اللي سافرت يحج و مالحقتش أروح اسلم عليها والاتوبيس مشى قبلي وربنا توفاها هناك عند الرسول عليه السلام
دعوة رائعة للبقاء مع الجدات قدر الامكان..شكرا على امتاعنا يا غريب

 
At ٨:٢٨ م, Blogger بيجاسوس المصرى said...

الزميل الغريب
قد حاولت البحث عنك كثيرا وسط مجتمع التدونيات بعد اختفاء الرابط الخاص بمدونتك والموجود بمدونتى و عدم الوصول للمدونة



على العموم حمد الله على سلامتك و البقاء لله فلاتعليق على ما كتبته لانه يخرج من قلبك فالكلام الخارج من القلوب لاتعليق عليه و ذلك لصدق قلوب من يكتبوه

تحياتى
بيجاسوس المصرى

 
At ١٢:٣٣ ص, Blogger elgharep said...

تشكر يابجاسوس على الكلام الحلو ده
الغريب

 
At ١:٢٤ م, Blogger كلبوزة لكن سمباتيك said...

حييك على القصة


و اعزيك



فقد الاحباء تذكير بالله و الاخرة


البقاء لله

 
At ١٢:٣٣ م, Blogger قصاقيص said...

مش عارفة اعزيك
ولا اهنيك علي القصة التحفة...بجد جميلة
وفعلا اثبتلي ان الحزن بيخلف جوانا رغبة في الابداع اكتر من السعادة

 
At ٢:٣٤ م, Blogger elgharep said...

شكرا جزيلا قصاقيص على كلماتك الرقيقة وعلى تشريفك للمدونة
الغريب

 
At ٩:٠٥ م, Blogger big big girl...in a big big world said...

رحمها الله اخى
قصه رائعه تمتلىء بالوفاء

 
At ١٢:٢٩ ص, Blogger uogena said...

بسم الله الرحمن الرحيم

أولا : عظم الله أجرك ..والبقاء لله .

ومادمت طرحت العمل ادبياً : اعتقد ان فكرة القصه ساهمت بشكل جيد فى اندماجى كقارئ وتجاهل اى ملحوظات صغيره ..
القصه جميله جدا ادبياً مقاطع الحوار العاميه اتت ملائمه مع النص ..
اذن اعتقد المشكله الادبيه انك نوهت الى انها حقيقيه شخصيه وبالتالى اثر ذلك على القارئ
اتمنى لك التوفيق وبانتظار مداد قلمك الادبى مجددا

 

إرسال تعليق

<< Home

مجتمع المدونين المصريين